تؤدي الرائحة المرتبطة بالألم إلى حدوث رد فعل أكثر حدة في المستقبل

إن الإحساس المؤلم عند شم رائحة معينة، يدفع الخلايا العصبية الشمية إلى التفاعل معها بقوة أكبر لاحقًا. وقد توصل متخصصون أمريكيون إلى هذه الاستنتاجات خلال عدة تجارب أُجريت على فئران التجارب المعملية.

من المعروف منذ زمن طويل أن الأحاسيس غير المريحة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالروائح أو الأصوات. ويُعتقد أن هذا التفاعل يُحدده تغيرات في بعض أجزاء الدماغ المسؤولة عن معالجة المعلومات الواردة من الحواس.

ومع ذلك، توصلت مجموعة بحثية في جامعة نيوجيرسي، بقيادة مارلي كاس، بعد سلسلة من التجارب، إلى أنه في حالة الروائح، تحدث التغيرات ليس في الدماغ، ولكن مباشرة في الغشاء المخاطي للأنف، أو بالأحرى في الظهارة الشمية، المكونة من الخلايا العصبية الشمية.

أجرى العلماء تجربةً باستخدام فئران مختبر مختارة بعناية، وُضعت في صندوق خاص، مر فيه تيار كهربائي عبر أرضيته. انبعث من كل تفريغ كهربائي غازٌ غير ضار ذو رائحة مميزة. بعد كل "إجراء"، فُرّغ الصندوق الذي يحتوي على الفئران من بقايا الغاز، ثم تكررت التجربة بعد فترة. استمرت التجربة ثلاثة أيام، خضعت خلالها القوارض لخمس عشرة جلسة تدريب على الروائح الكهربائية، مدة كل منها خمس عشرة ثانية.

بعد ذلك، حُقنت القوارض ببروتين فلوري لقياس نشاط الخلايا العصبية، وبدأ البروتين المتصل بالخلايا العصبية الشمية بالتوهج حتى مع أدنى إثارة. بعد ذلك، أزال المتخصصون جزءًا من جمجمة الحيوانات التجريبية ولاحظوا مباشرةً التغير في نشاط الخلايا العصبية. ووُضع مصدر ذو رائحة "مؤلمة" مألوفة أمام الحيوانات. وبالمقارنة مع مجموعة القوارض الضابطة، كان لدى الفئران التي شاركت في تجربة التيار الكهربائي إشارة أقوى من الخلايا العصبية الشمية.

تُمكّن النتائج المُتحصل عليها المُختصّين من افتراض أن أحاسيس الألم المُصاحبة لرائحة مُعيّنة تُؤدّي في المُستقبلات إلى زيادة حساسيتها لها، حتى في حال عدم وجود مصدر للألم. ولاحظ العلماء أن هذا النمط لا علاقة له بأقسام الدماغ، فجميع التغيرات تحدث في ظهارة الغشاء المخاطي الأنفي، حيث توجد الخلايا العصبية. وهكذا تتطوّر الحساسية للروائح، مما يُثبت أن الظهارة الشميّة لديها قابلية للألم.

في السابق، أثبت المتخصصون أن الأشخاص غير الحساسين للألم لا يستطيعون تمييز الروائح. والسبب هو أن قنوات نقل الروائح والشعور بالألم إلى الدماغ البشري متماثلة. خلال البحث، دُرست حساسية الروائح لدى مرضى يعانون من خلل في قناة أيونية للخلايا الحسية المسؤولة عن نقل إحساس الألم من الجلد إلى الأجزاء المقابلة من الدماغ. وتبين أن هذه القناة نفسها مسؤولة عن إدراك الروائح، لذا لم يتمكن المشاركون في التجربة من إدراك الروائح.