خريطة جزيئية للجسم كله تشرح لماذا تعتبر التمارين الرياضية مفيدة جداً لك

لا تقتصر ممارسة الرياضة على تقوية العضلات، وتحسين صحة القلب، وخفض مستوى السكر في الدم فحسب؛ بل ترتبط أيضًا بمجموعة من الفوائد الصحية الأخرى. ولكن كيف يُحقق الجري المنتظم على جهاز المشي، أو ركوب الدراجة الهوائية في مسار شديد الانحدار، أو المشي السريع وقت الغداء، كل هذه الفوائد الصحية المذهلة؟

نحن أقرب للإجابة على هذا السؤال، بفضل دراسة جديدة شاملة أجرتها كلية الطب بجامعة ستانفورد. أجرى الباحثون ما يقرب من 10,000 قياس لنحو 20 نوعًا من الأنسجة لمعرفة آثار ثمانية أسابيع من تمارين التحمل على فئران مختبر مُدربة على الجري على أجهزة مشي بحجم القوارض.

تُسلّط نتائجهم الضوء على التأثيرات اللافتة للتمارين الرياضية على الجهاز المناعي، والاستجابة للتوتر، وإنتاج الطاقة، والتمثيل الغذائي. ووجدوا روابط مهمة بين التمارين الرياضية والجزيئات والجينات المعروفة بدورها في مجموعة متنوعة من الأمراض البشرية وإصلاح الأنسجة.

وتعد هذه الدراسة واحدة من سلسلة من الأوراق البحثية التي نشرت في الأول من مايو/أيار من قبل أعضاء فريق بحثي متعدد التخصصات مصمم لوضع الأساس لفهم - على مستوى الجسم بالكامل والمستوى الجزيئي - كيفية استجابة أنسجتنا وخلايانا لممارسة الرياضة.

يقول أستاذ علم الأمراض، الدكتور ستيفن مونتغمري: "نعلم جميعًا أن ممارسة الرياضة مفيدة لنا. لكننا لا نعرف سوى القليل عن الإشارات الجزيئية التي تحدث في جميع أنحاء الجسم عند ممارسة الرياضة، أو كيف يمكن أن تتغير هذه الإشارات بالتدريب. دراستنا هي الأولى التي تتناول التغيرات الجزيئية على نطاق الجسم بأكمله، من البروتينات إلى الجينات، والمستقلبات، والدهون، وإنتاج الطاقة. إنها أوسع دراسة لتأثيرات الرياضة حتى الآن، وترسم خريطة مهمة لكيفية تأثيرها على الجسم".

مونتجومري، الذي يعمل أيضًا أستاذًا في علم الوراثة وعلوم البيانات الطبية الحيوية، هو المؤلف الرئيسي للورقة البحثية المنشورة في مجلة Nature.

نظرة منسقة للتمارين

ينتمي الباحثون المشاركون في الدراسة والمنشورات المتزامنة الأخرى إلى مجموعة وطنية تُسمى "اتحاد المحولات الجزيئية للنشاط البدني" (MoTrPAC)، الذي نظمته المعاهد الوطنية للصحة. أُطلقت هذه المبادرة عام ٢٠١٥ لدراسة مفصلة لكيفية تحسين التمارين الرياضية للصحة والوقاية من الأمراض.

لقد قام فريق طب ستانفورد بمعظم العمل الشاق، حيث درس آثار ثمانية أسابيع من التدريب على التحمل على التعبير عن الجينات (النسخ الجيني)، والبروتينات (البروتيوم)، والدهون (الليبيدوم)، والأيضات (الميتابولوم)، ونمط العلامات الكيميائية الموضوعة على الحمض النووي (الإبيجينوم)، والجهاز المناعي، وأكثر من ذلك.

أجرى الباحثون 9466 اختبارًا على أنسجة متعددة لدى فئران مُدرَّبة على الجري لمسافات متزايدة، وقارنوا النتائج بنتائج فئران أخرى كانت تتكاسل في أقفاصها. ركَّزوا على عضلات الساق، والقلب، والكبد، والكلى، والأنسجة الدهنية البيضاء (نوع الدهون الذي يتراكم مع زيادة الوزن)؛ وشملت الأنسجة الأخرى الرئتين، والدماغ، والأنسجة الدهنية البنية (نوع من الدهون أكثر نشاطًا أيضيًا ويساعد على حرق السعرات الحرارية).

أسفر الجمع بين تحليلات متعددة وأنواع أنسجة عن نتائج تُقدّر بمئات الآلاف من التغيرات غير الجينية، وأكثر من مليوني تغير مميز في الجينوم. ستُشغل هذه النتائج العلماء لسنوات قادمة.

بينما سعت هذه الدراسة في المقام الأول إلى إنشاء قاعدة بيانات لتحليلات مستقبلية، فقد ظهرت بالفعل بعض النتائج المثيرة للاهتمام. أولًا، لاحظ الباحثون أن التعبير عن 22 جينًا يتغير مع ممارسة الرياضة في جميع الأنسجة الستة التي ركزوا عليها.

شاركت العديد من الجينات فيما يُسمى بمسارات الصدمة الحرارية، التي تُثبّت بنية البروتين عند تعرض الخلايا للإجهاد، بما في ذلك تغيرات درجة الحرارة، أو العدوى، أو إعادة تشكيل الأنسجة. وشاركت جينات أخرى في مسارات تُخفّض ضغط الدم وتزيد من حساسية الجسم للأنسولين، مما يُخفّض مستويات السكر في الدم.

وأشار الباحثون أيضًا إلى أن التعبير عن العديد من الجينات المرتبطة بمرض السكري من النوع 2 وأمراض القلب والسمنة وأمراض الكلى انخفض في الفئران التي تمارس الرياضة مقارنة بنظيراتها المستقرة، مما يشير بوضوح إلى وجود صلة بين أبحاثهم والصحة البشرية.

الاختلافات بين الجنسين

وأخيرًا، وجد الباحثون اختلافات بين الجنسين في كيفية استجابة الأنسجة المختلفة لدى ذكور وإناث الفئران للتمارين الرياضية. فقد الذكور حوالي 5% من دهون أجسامهم بعد ثمانية أسابيع من التمارين الرياضية، بينما لم تفقد الإناث الكثير من الدهون. (مع ذلك، حافظت على نسبة الدهون الأولية، بينما اكتسبت الإناث غير النشطة 4% إضافية من الدهون خلال فترة الدراسة).

لكن الاختلاف الأكبر كان في التعبير الجيني في الغدد الكظرية للفئران. بعد أسبوع، ازدادت الجينات المرتبطة بإنتاج الهرمونات الستيرويدية، مثل الأدرينالين، وإنتاج الطاقة لدى ذكور الفئران، بينما انخفضت لدى إناثها.

رغم هذه الارتباطات المبكرة والمثيرة، يُحذّر الباحثون من أن علم التمارين الرياضية لا يزال بعيدًا عن الاكتمال. في الواقع، ما زال في بدايته. لكن المستقبل يبدو واعدًا.

قال مونتغمري: "على المدى البعيد، من غير المرجح أن نجد علاجًا سحريًا واحدًا يُحاكي كل ما تُقدمه التمارين الرياضية للإنسان. ولكن يُمكننا الاقتراب من فكرة التمارين الدقيقة - توصيات مُصممة خصيصًا بناءً على جينات الشخص أو جنسه أو عمره أو حالاته الطبية الأخرى لتحقيق استجابات صحية مُفيدة لكامل الجسم".