تقلل التمارين الرياضية من خطر الإصابة بأمراض القلب عن طريق تغيير استجابة الدماغ للإجهاد

تشير دراسة جديدة إلى أن النشاط البدني، من خلال التأثير على التوتر والحالات المزاجية المرتبطة به، قد يحمي من أمراض القلب والأوعية الدموية.

وتضمنت الدراسة، التي نشرت في مجلة الكلية الأمريكية لأمراض القلب وأجراها باحثون في مستشفى ماساتشوستس العام، تحليل السجلات الطبية من بنك ماساتشوستس العام بريغهام لأكثر من 50 ألف شخص أكملوا استبيان النشاط البدني.

كما خضعت مجموعة أصغر من 774 مشاركًا في الدراسة لاختبارات تصوير الدماغ لقياس نشاط الدماغ المرتبط بالتوتر.

بعد فترة متابعة متوسطة امتدت لعشر سنوات، وجد الباحثون أن 12.9% من المشاركين أصيبوا بأمراض القلب والأوعية الدموية. وكان خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أقل بنسبة 23% لدى من مارسوا التمارين الرياضية بمستوياتها الموصى بها، مقارنةً بمن لم يمارسوها.

وجد الباحثون علاقة عكسية بين النشاط البدني ونشاط الدماغ المرتبط بالتوتر: فكلما زادت مستويات التمارين الرياضية، انخفض مستوى نشاط الدماغ المرتبط بالتوتر. وقد استفاد الأشخاص المصابون بأمراض دماغية مرتبطة بالتوتر، مثل الاكتئاب، بشكل أكبر من النشاط البدني.

وبحسب الدكتور أحمد توكل، أحد الباحثين وأخصائي أمراض القلب في مركز أبحاث تصوير القلب والأوعية الدموية في مستشفى ماساتشوستس العام، فإن ممارسة التمارين الرياضية "كانت فعالة بنحو الضعف في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بين المصابين بالاكتئاب".

ما هو معدل انتشار أمراض القلب لدى المصابين بالاكتئاب؟ وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تُعدّ أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفاة في العالم، حيث تُقدّر حالات الوفاة الناجمة عنها بـ 17.9 مليون حالة وفاة عام 2019؛ 85% منها ناجمة عن سكتات دماغية أو نوبات قلبية. أكثر من 75% من هذه الوفيات تحدث في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

يؤثر الاكتئاب على حوالي 280 مليون شخص حول العالم، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. ومن غير المستغرب أن يؤدي الاكتئاب إلى أمراض القلب والأوعية الدموية نتيجةً للعديد من السلوكيات المرتبطة به، مثل العلاقات غير الصحية مع الكحول أو السكر أو الأطعمة المصنعة.

صرح الدكتور تشين تشنغ-هان، طبيب القلب التداخلي المعتمد والمدير الطبي لبرنامج القلب الهيكلي في مركز ميموريال كير سادلباك الطبي في لاجونا هيلز، كاليفورنيا، والذي لم يشارك في الدراسة، لموقع ميديكال نيوز توداي أن العلاقة بين اضطراب الوسواس القهري والاكتئاب علاقة تكافلية. وأضاف أن هناك عددًا من الحالات الأخرى المرتبطة بالتوتر التي قد تُهيئ بيئة مواتية لتطور اضطراب الوسواس القهري.

هناك علاقة قوية بين الاكتئاب وأمراض القلب والأوعية الدموية، وهي علاقة متبادلة. حوالي ربع المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية يعانون من الاكتئاب، وكثير منهم يُصابون بأمراض القلب، كما يقول تشين.

بالإضافة إلى الاكتئاب، تشمل الاضطرابات النفسية الأخرى المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية القلق واضطراب ما بعد الصدمة. قد يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب من ارتفاع ضغط الدم والإجهاد الفسيولوجي، وهما عاملان من عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب. كما قد يكونون أكثر ميلًا إلى تبني تغييرات في نمط حياتهم، مثل التدخين وقلة النشاط البدني، مما قد يزيد من خطر إصابتهم بأمراض القلب والأوعية الدموية، كما صرّح لموقع MNT.

أفاد الدكتور ديفيد ميريل، طبيب نفسي متخصص في أمراض الشيخوخة ومدير معهد علوم الأعصاب في باسيفيك برين هيلث في مركز سانت جون الصحي في سانتا مونيكا، كاليفورنيا، والذي لم يشارك في الدراسة أيضًا، أن نشاط الدماغ المرتبط بالتوتر يمكن أن يؤدي إلى عدد من المشاكل في أجزاء أخرى من الجسم، ويرتبط الكثير منها بالاكتئاب.

وأكد على العلاقة المتبادلة بين الاكتئاب وأمراض القلب.

الرابط ذو اتجاهين، فالاكتئاب يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. كما يؤدي القلق إلى ارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول، وكلها عوامل تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ويؤدي كل من الاكتئاب والقلق إلى سلوكيات غير صحية كالتدخين وأنماط الحياة الخاملة. في المقابل، للتمارين الرياضية تأثير مضاد للالتهابات يحمي القلب، كما قال ميريل.

قد تقدم التمارين الرياضية فوائد أكثر من الأدوية لعلاج الاكتئاب

تعمل العديد من أدوية الاكتئاب عن طريق زيادة النواقل العصبية في الدماغ، والتي قد تؤثر على السلوك والمزاج. تُوصف مثبطات استرداد السيروتونين (SSRIs) مثل ليكسابرو أو بروزاك عادةً لعلاج الاكتئاب، بينما يمكن استخدام مثبطات استرداد السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs) مثل سيمبالتا أو بريستيك لعلاج اضطرابات القلق الأخرى.

لكن ممارسة التمارين الرياضية يمكن أن تعاكس الاكتئاب ونشاط الدماغ المرتبط بالتوتر بعدة طرق من خلال التأثير بشكل طبيعي على كيمياء الدماغ: تنظيم هرمونات الشهية، وتقليل الالتهاب، وتقليل التوتر، وزيادة التمثيل الغذائي.

وقال تشين إن تأثيرات التمارين الرياضية يمكن رؤيتها كيميائيا في الدماغ، لكن التأثيرات الجسدية على الجسم مهمة في الحد من تطور أمراض القلب والأوعية الدموية.

نعتقد أن ممارسة الرياضة تُغيّر كيمياء الدماغ لتعزيز نمو بروتينات عوامل النمو التي تُشكّل روابط جديدة في الدماغ، وخاصةً في الحُصين، مما يُحسّن مزاج الناس. وبالطبع، تُقدّم الرياضة فوائد أخرى مهمة لوظائف الجسم الأساسية، وقد تُقلّل من احتمالية إصابة الشخص بأمراض القلب، كما يقول الدكتور تشنغ هان تشين.

وأوضح تشين "من الممكن أن يكون الانخفاض في نشاط الدماغ المرتبط بالتوتر لدى الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من النشاط البدني نتيجة للإندورفينات التي تنتجها التمارين الرياضية الأكثر كثافة".

وأضاف الدكتور ميريل أن "ممارسة التمارين الرياضية أثبتت أنها مفيدة للقلب، على الأقل جزئياً، بسبب تأثيرها على الدماغ".

بخلاف مضادات الاكتئاب السيروتونينية، يزيد النشاط البدني من نشاط القشرة الجبهية الأمامية، مما يُحسّن المزاج. ويؤدي النشاط الأكبر في القشرة الجبهية الأمامية، بدوره، إلى تقليل فرط نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي المرتبط بالتوتر. كما تزيد التمارين الرياضية من عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، مما يُحسّن المزاج من خلال تغييرات في مرونة الدماغ، كما قال ميريل.