جذور الاضطرابات العقلية والعصبية التنكسية موجودة في تكوين خلايا دماغ الجنين

قد تنشأ بعض الاضطرابات العصبية والنفسية، مثل التوحد والاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب، بالإضافة إلى بعض الأمراض العصبية التنكسية، مثل الزهايمر وباركنسون، في مرحلة مبكرة جدًا من نمو دماغ الجنين. أي قبل ذلك بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، وفقًا لدراسة أجراها معهد الأبحاث في مستشفى ديل مار وجامعة ييل، ونُشرت في مجلة Nature Communications.

ويوضح الدكتور غابرييل سانتبيري، الباحث في برنامج ميغيل سيرفيت ومنسق مجموعة أبحاث علم الأعصاب الجينومي في برنامج المعلوماتية الطبية الحيوية في معهد أبحاث مستشفى ديل مار، وهي مجموعة تعاونية مع جامعة بومبيو فابرا، أن العمل ركز "على إيجاد أصول الأمراض العقلية في المراحل الأولى من نمو الجنين، وخاصة في الخلايا الجذعية الدماغية".

لتحقيق ذلك، استخدموا قائمة تضم ما يقرب من 3000 جين مرتبط بالأمراض العصبية والنفسية، والأمراض العصبية التنكسية، وتشوهات القشرة المخية، ونمذجة تأثير تغييرها على الخلايا المشاركة في نمو الدماغ. أظهرت النتائج أن العديد من هذه الجينات تعمل بالفعل في مرحلة مبكرة من نمو الجنين في الخلايا الجذعية - وهي الخلايا الأولية التي تشكل الدماغ، وتكوّن الخلايا العصبية والهياكل التي تدعمها.

لم يكن تحقيق ذلك بالمهمة السهلة. فهذه المرحلة من نمو الدماغ صعبة الدراسة للغاية. لذلك، جمع الباحثون ثروة من البيانات من أدمغة البشر والفئران، بالإضافة إلى بيانات من نماذج الخلايا المختبرية.

وكما يشير الدكتور نيكولا ميكالي، الباحث المشارك في مختبر الدكتور باسكو راكيك في جامعة ييل والمشارك في قيادة الدراسة، "يدرس العلماء عادة الجينات المسؤولة عن الأمراض العقلية لدى البالغين، ولكن في هذا العمل وجدنا أن العديد من هذه الجينات نشطة بالفعل في وقت مبكر من نمو دماغ الجنين، وأن التغيرات فيها يمكن أن تؤثر على نمو الدماغ وتساهم في الاضطرابات العقلية في وقت لاحق من الحياة".

قامت الدراسة بنمذجة شبكات تنظيمية محددة لكل نوع من أنواع الخلايا المشاركة في نمو الدماغ، وذلك لمعرفة كيف يؤثر تنشيط أو تعطيل الجينات المُحللة المرتبطة بأمراض الدماغ المختلفة على الخلايا السلفية في مراحل مختلفة. سمح ذلك بملاحظة أهمية كل جين في تطور الاضطرابات التي تُسبب أمراضًا مختلفة. تتراوح القائمة بين صغر الرأس واستسقاء الرأس، والتوحد، والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، وفقدان الشهية، والفصام، وتشمل أيضًا مرضي الزهايمر وباركنسون.

وُجد أن جميع هذه الأمراض تشمل جيناتٍ تُشارك في المراحل الأولى من نمو الدماغ، عندما تكون الخلايا الجذعية العصبية نشطة. ويضيف جويل ماتو بلانكو، الباحث في معهد الأبحاث بمستشفى ديل مار: "نغطي مجموعةً واسعةً من الأمراض التي قد يُصاب بها الدماغ، وندرس كيفية تفاعل الجينات المُرتبطة بهذه الحالات مع الخلايا الجذعية العصبية".

وفي الوقت نفسه، يشير إلى أن العمل "يحدد فترات زمنية وأنواع الخلايا التي يكون فيها عمل هذه الجينات أكثر أهمية، مما يشير إلى متى وأين يتم استهداف وظيفة هذه الجينات".

ويقول الدكتور سانتبيري إن الحصول على هذه المعلومات "مفيد لفهم أصول الأمراض التي تؤثر على القشرة المخية، أي كيف تتحول التغيرات الجينية إلى هذه الأمراض".

إن فهم هذه الآليات ودور كل جين في كل مرض يمكن أن يساعد في تطوير علاجات مستهدفة تستهدف هذه الآليات، مما يفتح الفرص أمام العلاج الجيني والعلاج الشخصي.