أدت الزيادة في عدد سكان العالم إلى ظهور طفرات فريدة من نوعها

إن ظهور التشوهات الجينية غير المعروفة سابقًا وزيادة وتيرة الطفرات الفريدة لا يعد بالضرورة سببًا لخلفية إشعاعية خارج النطاق - يكفي ببساطة زيادة حجم السكان بشكل حاد.

كلما زاد عدد السكان بشكل أسرع، تم اكتشاف المزيد من الطفرات في المجموعة الجينية لسكان الأرض.

لا يقتصر سبب شيوع الأمراض الوراثية في مجتمعنا اليوم على تلوث البيئة وكثرة المواد المسببة للطفرات. فكما أفاد علماء من معهد كورنيل (الولايات المتحدة الأمريكية) في مجلة ساينس، فإن الطفرات التي لم تكن معروفة سابقًا بدأت بالظهور فقط بسبب ازدياد أعدادنا.

يمكن التنبؤ بتواتر طفرة معينة باستخدام تقنيات علم الوراثة السكانية، التي تجمع بين أدوات علم الوراثة الكلاسيكي وأحكام المفهوم التطوري. الخصائص الرئيسية التي تؤخذ في الاعتبار هي حجم السكان، وديناميكياتهم، ودرجة الطفرات، ونوع الطفرة محل الاهتمام. هذا يُمكّن من التنبؤ بمستقبل أي شذوذ وراثي - ما إذا كانت طفرة معينة ستترسخ في السكان أم ستختفي، ومدى سرعة حدوث ذلك. مع ذلك، وكما يشير مؤلفو المذكرة، فإن النماذج الرياضية التقليدية غير مُلائمة بأي حال من الأحوال للزيادة المتسارعة في عدد الأنواع.

هذا ما حدث لسكان الأرض: على مدار العشرة آلاف عام الماضية، قفز عدد السكان من عدة ملايين إلى سبعة مليارات، مع حدوث أكبر تسارع خلال الألفي عام الماضية، أو على مدى المائة جيل الماضية. بالطبع، حتى خلال الفترة الزمنية الأخيرة، كان هذا النمو عشوائيًا؛ لبعض الوقت، زاد عدد السكان باستمرار، حتى جعل التقدم التراكمي الوجود البشري أكثر راحة وأمانًا. لتقدير الديناميكيات الجينية للسكان، عادةً ما يصمم العلماء نموذجًا لنموهم من عدد أولي من الأفراد. في هذه الحالة، وُجد أنه من الأفضل تقدير الديناميكيات الجينية في السكان البشريين في عينة من 10 آلاف فرد - بدلاً من عدة عشرات، والتي كانت تستخدم في النماذج السابقة. أعطت النماذج السابقة، التي تستند إلى النمو السكاني الخطي بدلاً من النمو الأسي، خطأ بنسبة 500٪ في التنبؤ بمعدلات الطفرات. يجب التأكيد على أن نوع النمو له أهمية أساسية هنا: النمو السكاني التدريجي والخطي يتيح الوقت لإزالة الطفرات النادرة من مجموعة الجينات.

أدى الانفجار السكاني إلى شيوع العديد من أنواع الجينات النادرة بشكل يفوق المتوقع. وهكذا، أصبح للطفرات الطبيعية مجال واسع للنشاط، وفي المستقبل، سيواجه الجنس البشري طفرات جديدة نشأت من العدم نتيجةً لتشوّه في ديناميكيات السكان. ولعلّ "رجال إكس" الخياليون يصبحون واقعًا عاديًا - ولن يخرجوا من مختبرات سرية، بل سيتشكلون بوسائل جينية تطورية طبيعية.

ليس من المبالغة القول إن أغلبنا اليوم، إلى حد ما، مُتَطَوِّر. ومع ذلك، ستُمَكِّن النتائج المُتَحَصَّلة، قبل كل شيء، من إعادة تقييم خطورة الأمراض الوراثية، من أبسطها إلى أكثرها تعقيدًا، مثل التوحد، الذي قد يتطور نتيجة عشرات ومئات أنواع الطفرات المختلفة.