الجنف: ما أسبابه وكيفية التعرف عليه؟

الجنف هو انحناء في العمود الفقري في المستوى الجانبي، ويكون واضحًا عند النظر إليه من الخلف. قد يكون خلقيًا أو مكتسبًا. إذا كان الجنف مستقرًا نسبيًا ولا يُسبب نزوحًا للفقرات، فإن الحالة المرضية تقتصر على انضغاط الفقرات. إذا لم يقتصر انحراف العمود الفقري على الجانب، بل التوى أيضًا، فقد تنشأ مشاكل في المفاصل الوجيهية. يُميز المتخصصون عدة أنواع من الجنف: الجنف على شكل حرف C، عندما يكون للعمود الفقري انحناء جانبي واحد، والجنف على شكل حرف S، عندما يكون للعمود الفقري انحناءان للداخل، والجنف على شكل حرف Z، وهو الأندر، وله ثلاثة انحناءات أو أكثر في اتجاهات مختلفة.

إذا صادفتَ ذكرًا للجنف، فمن الجدير بالذكر أنه في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي، لم يكن هناك تمييز بين مفهومي "الجنف"، الذي يعني أي انحراف في العمود الفقري عن الوضع الطبيعي، و"مرض الجنف"، وهو مرض مرتبط بالعمر يصيب المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين ١٢ و١٥ عامًا. لذلك، إذا كنتَ ترغب في الحصول على تشخيص دقيق، فاستشر طبيبكَ لمعرفة المقصود تحديدًا.

[ 1 ]

ما الذي يسبب الجنف؟

هناك عدة أسباب شائعة تُسبب الجنف. أحدها هو الوضعية الخاطئة للعمود الفقري، والتي لم تُولَ الاهتمام الكافي منذ الطفولة. كما يُمكن أن يُسبب النشاط البدني الجنف: فقلة التمارين اليومية وحمل الأثقال الثقيلة قد يُسببان انحناء العمود الفقري.

من بين الأسباب الأكثر تعقيدًا للجنف، يُمكننا تسليط الضوء على أمراض الجهاز العضلي الهيكلي، مثل الكساح أو الشلل، أو العيوب الخلقية، أو التهاب جذور الأعصاب، أو تلف الجهاز العصبي المركزي الشديد. عند الحديث عن الكساح، يبدأ العمود الفقري بالتشوه مع تطور المرض، ويستمر في الانحناء حتى في مرحلة التعافي. بسبب الوضعية الخاطئة للطفل أثناء الجلوس على الطاولة، يتعرض العمود الفقري لحمل لا يُطاق على الجسم النامي، وبالتالي يتشوه، مما يُسبب الجنف.

إذا تعذر تحديد أسباب الجنف، يُستخدم مصطلح "الجنف مجهول السبب" أو "الجنف سريع التطور". ومن السمات المميزة لهذا النوع من الجنف أنه شائع لدى الفتيات في سن 10-12 عامًا (قبل البلوغ).

كيف تظهر أعراض الجنف؟

تُسبب الأجزاء المُنضغطة في منتصف الانحناء ألمًا شديدًا. قد يكون هناك عدة انحناءات، حسب عدد الانحناءات. تُسبب هذه المناطق أعراضًا مُختلفة للجنف. قد يكون هذا ألمًا في الرقبة (وأحيانًا صداعًا)، أو ألمًا في منطقة لوح الكتف (يمتد أحيانًا إلى الذراع)، أو ألمًا في أسفل الظهر (يمتد أحيانًا إلى الفخذ)، أو ألمًا في منطقة العصعص (يمتد أحيانًا إلى الأرداف أو الساق). لسببٍ غير معروف، نادرًا ما تُؤخذ شكاوى مرضى الجنف الخفيف على محمل الجد، ويُعتبرون ظلمًا مُتقاعسين عن العمل، مع أنهم في الواقع يُعانون من ألمٍ شديد.

تظهر الأعراض المؤلمة للجنف، الناتجة عن زيادة مفرطة في الانحناءات الفسيولوجية الطبيعية للعمود الفقري، عادةً في سن الثلاثين تقريبًا، مع تغير بنية الأنسجة. قد يظهر الألم الناتج عن مرض مثل الجنف في سن العاشرة، ويستمر مدى الحياة، ويزداد تدريجيًا حتى يتم علاج هذه المشكلة بجدية.

كيفية التعرف على الجنف؟

تشخيص الجنف سهل. الطريقة الرئيسية التي يستخدمها المتخصصون هي "اختبار الميل". يُطلب من المريض الانحناء للأمام وإرخاء الأطراف العلوية. إذا كان عدم التماثل واضحًا بالعين المجردة، يُمكن للطبيب تشخيص الجنف. من أهم أعراض الجنف انحناء حاد وملحوظ في العمود الفقري، وبروز عظم الورك أو لوح الكتف. تُستخدم الأشعة السينية لتحديد نسبة انحناء العمود الفقري، ووجود تشوهات خلقية. بناءً على المعلومات المُستقاة، يُحدد نوع الجنف: خلقي أو مجهول السبب، ودرجة الجنف، ووجود تغيرات في أنسجة العظام. بعد الحصول على معلومات مُفصلة، يُمكن للأطباء وصف العلاج المُناسب.

يحدث الجنف عادةً في الجزء السفلي من العمود الفقري أولًا، ثم يتشكل انحناء ثانوي في مستوى أعلى لتعويض الانحناء السفلي. ونتيجةً لذلك، يميل العمود الفقري مرتين عن محوره المركزي، مما يسمح للرأس بالاستقرار على الكتفين وتركيز العينين.

عندما تكون إحدى الساقين أقصر من الأخرى، فإن العمود الفقري، لتعويض هذا النقص، ينحني عادةً في اتجاه واحد. على سبيل المثال، إذا كانت الساق اليمنى أقصر وكان الحوض يميل إلى اليمين، ينحني العمود الفقري إلى اليمين، مشكلاً انحناءً جانبيًا مع تحدب إلى اليمين. في هذه الحالة، سيظهر انحناء آخر أعلى وأصغر مع تحدب إلى اليسار، مما يؤدي إلى إمالة العمود الفقري في الاتجاه الآخر.

يُسبب الجنف مشاكل جمة، إذ إن الأربطة على جانبي العمود الفقري في الاتجاه الأمامي الخلفي ليست قوية بما يكفي. وعلى عكس الحركات التي تدعمها هياكل متنوعة، فإن جدران الأقراص فقط هي التي تمنع انزلاق الفقرات إلى الجانب.

تميل الفقرات الواقعة أسفل قمة الانحناء إلى الانزلاق إلى جانب، وتلك التي فوقها إلى الجانب الآخر. وللأسف، تُضغط الفقرة الواقعة عند قمة الانحناء من المنتصف، مما يضغط على القرص الفقري أسفلها. تنحرف الفقرات عن مركز أقراصها، وتنحرف الأقراص إلى الجانب. يتسطح القرص الموجود في مركز الانحناء، وتمتد الأقراص المجاورة له في اتجاهين متعاكسين. في كلتا الحالتين، تتشوه جدران الأقراص، وتصبح الأقراص نفسها أكثر كثافة. تصبح العديد من الأقراص المجاورة أرق، وتصبح فقراتها أكثر ثقلًا.

يُميز الطب الحديث أربع درجات من التطور التدريجي للجنف: الدرجة الأولى هي انحناء طفيف في العمود الفقري، لا يُلاحظ إلا في وضعية الوقوف. في وضعية الاستلقاء أو الجلوس، يختفي الانحناء ولا يُحدد بالأشعة السينية. الدرجة الثانية هي إذا لم تتجاوز زاوية الانحناء 25 درجة. الدرجة الثالثة هي الجنف الثابت، حيث تميل زاوية الانحناء إلى 50 درجة. الدرجة الرابعة، وهي الأكثر شدة، هي إذا تجاوزت زاوية انحناء العمود الفقري 50 درجة. يُرى ما يُسمى بـ"حدبة الضلع" بالعين المجردة.

كيفية الوقاية من الجنف؟

الجنف مرضٌ يتطور غالبًا في مرحلة الطفولة، ويتطلب الوقاية منه إلزاميًا. ضبط وضعية الجلوس على طاولة المدرسة أو المكتب، وممارسة الألعاب النشطة، وتمارين الصباح - هذه القواعد البسيطة، إلى جانب الفحوصات الطبية الإلزامية، تضمن الوقاية من الجنف في سن مبكرة.

مع وجود انحناء ملحوظ في العمود الفقري، ينبغي إيلاء اهتمام خاص للتمارين البدنية اليومية: ففي المراحل الأولى من المرض، ثبتت فوائد تمارين التنفس وتمارين تقوية عضلات الظهر. في العلاج المحافظ (غير الجراحي) للجنف، تُعدّ السباحة أو التمارين البسيطة في الماء (التمارين الرياضية المائية، كخيار)، والتدليك العلاجي، والعلاج بالمشدّات، أمرًا إلزاميًا.

في الحالات الصعبة بشكل خاص، عندما يصل الجنف إلى المرحلة الثالثة أو الرابعة من التطور، سيكون التدخل الجراحي أمرًا لا مفر منه.